أقر مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي حزمة ثالثة من العقوبات ضد إيران؛ لكن في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يحشدون الدعم الدولي للقرار الأممي الجديد، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يقوم بزيارة رسمية للعراق، علما بأنها الزيارة الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس إيراني إلى العراق منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. والمسألة المهمة في الموضوع أنه رغم تشديد العقوبات الأممية على إيران وتضييق الخناق عليها، إلا أننا نشهد انهيار الجهود الغربية لاحتواء الجمهورية الإسلامية، لاسيما في المنطقة الأهم: الشرق الأوسط. ففيما تواصل واشنطن الدفع بسياستها إزاء إيران والقائمة على ترسيخ عزلتها السياسية واحتوائها عسكرياً، تتبنى دول الخليج العربي علناً استراتيجية جديدة تقوم على الإشراك والإدماج. وحتى الحكومة العراقية، رغم تحالفها الظاهر مع إدارة الرئيس جورج بوش، شرعت أبوابها أمام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وفرشت له السجاد الأحمر في بغداد. والواقع أنه لكي تنجح السياسة الأميركية تجاه إيران يتعين على واشنطن تغيير مقاربتها، بل وأقلمتها مع حقيقة أن أقرب حلفائها في الشرق الأوسط أبعدوا أنفسهم عن الاستراتيجية الأميركية. لكن مع ذلك يظل الرئيس بوش مصراً على تعبئة الإمكانات العسكرية والسياسية الضرورية لتطويق إيران وعزلها، وهو ما عبر عنه بوضوح خلال جولته الأخيرة في الشرق الأوسط خلال شهر يناير الماضي، عندما قال إن "تصرفات إيران تهدد أمن الدول في كل مكان، لذا تعمل الولايات المتحدة على تأكيد التزاماتها الأمنية تجاه أصدقائنا في الخليج، وحشد الأصدقاء في العالم لمواجهة هذا الخطر قبل فوات الأوان". المشكلة أن أصدقاء بوش في الخليج ينظرون إلى الأمور بشكل مختلف؛ هذه النظرة التي لخصها مؤخراً وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بقوله: "نحن جيران لإيران في منطقة الخليج، وعلى هذا الأساس نحرص على أن يعم السلام والهدوء كل دول المنطقة. نحن لدينا علاقات مع إيران ونتحدث إليهم، وإذا شعرنا بأي خطر فإننا لن نتردد في مناقشة الأمر معهم". ورغم الحذر الذي تبديه دول الخليج العربية إزاء برنامج إيران النووي وتطلعاتها في المنطقة، إلا أنهم يسعون في هذه المرحلة إلى تليين الموقف العدائي لطهران عبر سياسة التعايش والإشراك. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى الدعوة التي تلقاها أحمدي نجاد لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي في قطر خلال شهر ديسمبر الماضي، وهو الامتياز الذي لم يحظَ به رئيس إيراني من قبل. وخلال موسم الحج الماضي وجه له العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز دعوة لأداء الفريضة في مكة المكرمة. وحتى مصر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران منذ قيام الثورة الإسلامية، شرعت مؤخراً في التقارب مع طهران تمهيداً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران. ويبدو أن القادة العرب يدركون أن الحوار والتجارة، هما أفضل الطرق لترويض إيران وإدماجها ضمن نظام إقليمي مستقر. لذا يتعين على إدارة الرئيس بوش اتباع موقف حلفائها العرب الساعي إلى إدماج إيران في المنطقة، لاسيما أن الإطار موجود سلفاً وهو يتمثل في تجمع مجلس التعاون الخليجي بأعضائه الستة. وبدلاً من النظر إلى مجلس التعاون الخليجي على أنه أداة لاحتواء إيران، يتعين على واشنطن تشجيع أعضائه على انتهاج سياسة دفاعية قائمة على الاندماج المشترك وإنشاء نظام أمني في المنطقة يستند إلى التعاون بين دول المجلس ويكون شبيهاً بالجهود الأميركية التي شجعت الدول الأوروبية على الاندماج خلال الحرب الباردة في نفس الوقت الذي كانت تسهر فيه على حمايتها من التهديد السوفييتي. والواقع أنه بسبب نجاح الاتحاد الأوروبي خلال الحرب الباردة، استطاع أن يدمج دول أوروبا الشرقية بعد سقوط جدار برلين. وفي حال تعزيز التعاون بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، بالتزامن مع الحوار بين واشنطن وطهران، فإن ذلك من شأنه أن يشيع الأمل في إمكانية إقناع إيران بالاندماج في المنطقة. فبعد ثلاثة عقود من المحاولات المستمرة لعزل إيران، حان الوقت للاعتراف بفشل العقوبات الاقتصادية والضغوط الدبلوماسية والتهديدات العسكرية في تركيع الجمهورية الإسلامية. غير أن ذلك لا ينفي المشاكل الحقيقية؛ مثل البرنامج النووي الإيراني، ودعم إيران للجماعات المتشددة التي تعرقل السلام، وتسليحها للميلشيات الشيعية في العراق، وما تطرحه تلك السياسة من تهديدات لأمن الولايات المتحدة وحلفائها. لكن الاحتواء لم ينجح، كما أن الورطة العراقية كشفت أخطار سياسة تغيير الأنظمة، لتبقى الوسيلة الأمثل للتعامل مع التهديد الإيراني هي من خلال دبلوماسية النفس الطويل والاندماج في المنطقة وفقاً لتصور حلفاء أميركا من العرب. تشارلز كوبتشان ــــــــ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون الأميركية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ راي تقية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ باحث بارز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"